عام من الصبر مضى
ورغم كل ذلك فالحال مازال هو الحال وكأنك بيننا ، فصورتك لا تغادرنا وروحك ما زالت تحلّق في أرجاء البيت، ومكتبك الذي كان خليّة نحل ما زال وضّاءً ونيّراً بك رغم حزنه على فراق جسدك الطاهر، وما زال صدى صوتك العذب الجميل يدق في أسماعنا عندما كنت تقرأ القرءان وتنشد أطيب الأناشيد.
أيها الغالي الحبيب :
بكينا على فراقك .. رغم فرحتنا أنك نلت ما تمنيت .
بكيناك ومن الذي ما بكاك، ففلسطين كلها بكتك، ومساجد فلسطين كلها بكتك فمسجد حطين ما زال يحن إليك ، ومسجد أمان ما زال مشتاقًا إليك، ومنبر مسجد اليرموك مسجدك الذي زرعت فيه مكارم الأخلاق ما زال يحن لهدير صوتك وعذوبة كلماتك.
كيف لا يبكيك هؤلاء وأنت الذي رسم البسمة على وجوه المظلومين ، كيف لا وأنت الذي بسط الأمن في ربوع الوطن الحبيب ، كيف لا وأنت الذي أغاظ الأعداء والحاقدين.
والدي الحبيب :
أشد ما يعذبني في هذه الحياة هو بكاء والدتي الذي لا ينقطع ليل نهار فهي لا تفتأ تذكر الساعات الجميلة التي جمعتنا والأحاديث العذبة التي كانت تدور بيننا، فهي دائمة الحديث عن طيب نفسك وعفّتك، وحسن سمتك، وعن تواضعك وصمتك ، وطيب أخلاقك، وعن حكمتك، فهي مازالت تذكر كلماتك الأخيرة قبل مفارقة المنزل ومفارقة الدنيا.
وآه يا والدي من لوعتها على فلذة كبدها أخي وحبيبي محمد ، كم كانت تتمنى أن تفرح به ولكن قدر الله كان أسرع.
آه يا والدي ما أصعب فراق الأحباب
ما أصعبه وأنا مازلت أذكر لقائي بك في المنزل الذي ارتقيت فيه إلى العلا، ما زالت نظراتك التي كانت ترمقني مودعةً حينما غادرتك، لا تغيب عن خاطري ووجداني وكلماتك ترن في مسمعي يومها طلبت مني أن أحضر لك قطعة السلاح، يومها شعرت بقربك من الشهادة وحبك للقاء ربك .
آه يا والدي كم كان يشغلك همّ الشعب، وكم كان يؤلمك ألمه.
حبيبي وقدوتي ونور عيني
لن ننساك وكيف ننسى أرواحنا ، فإن غاب جسدك فروحك ما زالت تحلّق فوقنا، وتعيش في صميم قلوبنا فأنت الغالي الحبيب الذي كان والدا وأخا وصديقا.
ولن ننسى الحبيب الغالي محمد كم تمنيت أن أرى جسده فأقبّل رأسه وكم تمنيت أن أرى صفاء عينيه وهو يتبسم راحلاً عن الدنيا، ولكن لم أر منه سوى قدميه هذا ما تبقى منه فهنيئاً له، فكم تمنى أن يتفتت في سبيل الله.
حبيبي الغالي
كنت وفيّاً لأحبابك فكانوا أوفياء لك ، فهم دائمو السؤال والحضور إلينا، والاطمئنان علينا، وأما والوزارة التي تعبت واجتهدت على تأسيسها لتفرض الأمن والأمان والاستقرار في ربوع الوطن الحبيب فهي في أيدٍ أمينة وأما المرافقون فما زالوا على وفائهم وإخلاصهم ويقظتهم وحذرهم .
والدي الغالي :
لقد عرفناك تقيا نقيا خفيا، نحسبك كذلك ولا نزكّي على الله أحداً
والدي الغالي هذه لحظات وفاء لك ولوعات شوق جسّدتها على الورق.
سلامي وسلام والدتي وأخواتي، وأزواجهن والجميع من حولنا لك في الخالدين
سلامنا لأخي محمد ولعمّي إياد وزوجته ، وأبو أيوب وكل الشهداء.
بلغوا سلامنا لحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلّم و الصحابة والتابعين
وإننا إن شاء الله على العهد وعلى الوعد وعلى نفس الدرب سائرون ونسأل الله أن يرزقنا شهادة نلقاكم بها في الجنان.
رحل الرجال المقتدى بفعالهم والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف يزيّن بعضهم بعضا ليأخذ معور من معور
ابنك مصعب
مقالة للأستاذ مصعب سعيد صيام، في الذكرى الأولى لاستشهاد والده
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق