الجمعة، 8 يناير 2010

الجدران تزول والأخوّة تبقى


الجدران تزول والأخوّة تبقى




شكل بناء الجدار الفولاذي والذي يبنيه نظام حسني مبارك ذروة التواطؤ مع الكيان الصهيوني، وتصديقاً لما قيل في اليوم التالي من انتهاء الحرب عن ترتيبات جديدة اتفقت عليها كل من كونداليزا رايس وتسيبي لفني، طبعاً يومها قيل أن الحكم المصري سيكون له دور في هذه الترتيبات، ويومها خرج أبو الغيط لينفي التزام مصر بأي ترتيبات كانت، إلا أن طريقة نفيه العصبية جعلتني ازداد اقتناعاً بصحة المزاعم؛ يكاد المريب أن يقول خذوني.

وبعد مرور أقل من عام بدأت عملية بناء الجدار، وكأني بنظام مبارك يتحدى الجميع في الذكرى السنوية الأولى للعدوان الصهيوني على غزة ليساهم بطريقته في العدوان، ولا شك أن لهذا أثره ووقعه الشديد في النفوس، وهو ما أجج مشاعر الغضب تجاه هذا التحدي السافر، فإقامة الجدار بحد ذاته استفزاز وعدوان، فما بالكم إن تزامن مع ذكرى أليمة.

ونظراً لما تراكم في نفوس الناس تجاه النظام المصري يبدو أن مشاعر الغضب قد انفلت عقالها، فوجد البعض متنفساً في تفريغ غضبه على الشعب المصري "الذي يسكت عن تجاوزات نظامه"، أو ليس السكوت علامة الرضا؟! حسناً، يبدو أن أولويات الغضب قد تغيرت لدى البعض، فإن لم ينفع التقريع مع النظام ربما ينفع مع الشعب، فما دمنا غير قادرين على محاسبة النظام فلنحاسب من نستطيع محاسبته!

ليس من الحكمة ولا من الصواب أن نحاكم الناس بسبب انتمائهم الجغرافي أو بناءً على الدم الذي تجري في عروقهم، فالمرء بأصغريه قلبه ولسانه، ونعلم علم اليقين أن أغلب أهل مصر قلوبهم مع أهل غزة ومع المقاومة الفلسطينية، كما نعلم أن هنالك الآلاف من المصريين ممن خرجوا وصدحوا بألسنتهم ضد الجدار. وفي المقابل هنالك النظام و"شلة" النظام الذين لم يتوقفوا عن اختلاق المبررات والأكاذيب لتبرير الجريمة، مثلما وجد من الفلسطينيون من دافع عن الجدار وبرر له، واقصد هنا محمود دايتون (عفواً عباس) و"شلته". وسواء كانت شلة مبارك أم شلة دايتون فهم يمثلون قلة طارئة على شعبها، قلة مستلبة الإرادة والتفكير ورهينة لجهات خارجية صهيونية وأمريكية.

إذن الإنسان بمبدئه وعقيدته وما يدافع عنه وما يؤمن به، لا بأهله ولا نسبه ولا موقعه الجغرافي ولا الدم الذي يجري في عروقه، الجدار الفولاذي جزء من معركتنا مع الصهاينة، وكل إنسان يختار الجانب الذي يلائم قناعاته في هذه المعركة، فإما أنه يدعم الشعب الفلسطيني أو الجانب الصهيوني، فنحاسبه على ما اختاره لا على ما لم يختاره، ولا أظن أنّ أحداً منا سئل قبل ولادته في أي بلد يرغب الانتماء له أو لأي أهل يحب الانتساب لهم.

أهل الجدار وأحبابه اختاروا جانب الصهاينة، وكل منهم يسعى لبنائه بطريقته، هنالك من يبني وهنالك من يمول وهنالك من يختلق الفتاوى وهنالك من يروج وهنالك من يؤيد بقلبه وسره، وربما يسعى القائمون على بناء الجدار لأن يظهروا في برنامج مشاريع عملاقة على "الناشيونال جيوغرافيك"، كعمل هندسي مميز ومنقطع النظير، كيف لا والمطلوب منه ما عجزت عنه مئات القنابل الخارقة للتحصينات في حرب غزة.

لكن مثل كل الجدران سينهار ويتداعى مثلما انهار سور برلين، ومثلما انهار جدار بارليف، وحتى لو صمد وبقي فلنا خير مثال في سور الصين العظيم، وهو البناء الوحيد على الأرض الذي يمكن مشاهدته بالعين المجردة من الفضاء، واستغرق بناءه مئات السنوات وطوله آلاف الكيلومترات، لكنه لم يفلح بواجبه الأساسي وهو حماية الصين من هجمات المغول والتتار، فعبرته جحافل جنكيز خان، وكأنه لم يكن موجوداً، لم تهدمه لكنها عبرته واخترقته، واحتل جنكيز العظيم الصين وانطلقت جحافله جنوباً وغرباً لتحتل الصين، وما بعد الصين، وما بعد بعد الصين.

وجدار غزة سيفشل بمهمته بإذنه تعالى، سواء بقي أم زال، وسيبقى إخواننا في مصر، وستبقى أخوة العقيدة والمصير المشترك أقوى وأمتن من كل الجدران الفولاذية وغير الفولاذية، فدعونا نحافظ على روابط الأخوة ونقويها لنتعاون معاً لنهدم جدار الظلم الذي يحاصر الشعب الفلسطيني ويحاصر الشعب المصري دون أن يفرق بينهما في ظلمه.

ففي نهاية المطاف إخواننا في مصر، قلّوا أم كثروا، هم في جانبنا بمعركة الجدار، وكل يحارب بقدر طاقته، ربما يستطيعوا فعل ما هو أكثر مما فعلوه، لكن الأكيد أنهم بحاجة لمن يدعمهم في وجه النظام، في وجه من يحاربهم ويحاربنا، فلا يجوز أن نتركهم لوحدهم، فقوتهم من قوتنا، وقوتنا من قوتهم، أبناء الصف الواحد والأمة الواحدة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وإن قصّر بعضه لا نحاربه ولا نعاديه لكن نعذره ونمسك بيده ونشجعه وقد نلومه في جلسات مصارحة هادئة بعيدة عن الملأ المتشمت، أما التقريع على الملأ فليس بنصيحة بقدر ما هو تلبية لأماني العدو المتربص.

الجدران تزول ولا تعمر مهما امتد بها الزمن، أما الأخوة فتبقى للأبد، فلنحافظ على حق الأخوة، دون أن نسمح للجدران مهما علت أو تدنت أن تفصل بيننا وبين إخواننا.


بقلم: ياسين عز الدين




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق